البكاء من خشية الله
أسبابه ، وموانعه ، وطرق تحصيله
البكاءُ فطرةٌ بشريّةٌ كما ذكر أهل التفسير ، فقد قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ]النجم (43)] أي، قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم يعني ، أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء ... ]تفسير القرطبي ( 17 / 116 )]
وبما
أن البكاء فعل غريزي لا يملك الإنسان دفعه غالباً فإنه مباح بشرط ألا
يصاحبه ما يدلُّ على التسخُّط من قضاء الله وقدره ، لقول النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ((إنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ بدمعِ العينِ ولا بحزنِ القلبِ ، ولكن يُعَذِّبُ بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحمُ )) ]البخاري (1242 ) ومسلم ( 924 )]
أنواع البكاء وأصدقها
قال
يزيد بن ميسرة رحمه الله : " البكاء من سبعة أشياء ... البكاء من الفرح ،
والبكاء من الحزن ، والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية
الله تعالى ، فذلك الذي تُطفِئ الدمعة منها أمثال البحور من النار ! " .
وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " عشرة أنواع للبكاء نوردها كما ذكرها .
§ بكاء الخوف والخشية .
§ بكاء الرحمة والرقة .
§ بكاء المحبة والشوق .
§ بكاء الفرح والسرور .
§ بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .
§ بكاء
الحزن .... وفرقه عن بكاء الخوف ، أن الأول " الحزن " : يكون على ما مضى
من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من
ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة
والقلب فرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به
هو " قرة عين " وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله
به عينه .
§ بكاء الخور والضعف .
§ بكاء النفاق وهو .. أن تدمع العين والقلب قاس .
§ البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .
§ بكاء الموافقة .. فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر عليهم فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون ... يراهم يبكون فيبكي .
" زاد المعاد " ( 1 / 184 ، 185 ) .
والبكاء من خشية الله تعالى أصدق بكاء تردد في النفوس ، وأقوى مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة .
البكاء الكاذب
البكاء قد يكون دليلاً على صدق الباكي ، وقد لا يكون ، وقد ذكر القرآن الكريم قصة إخوة يوسف عليه السلام وكيف تباكوا على أخيهم كذباً فقال تعالى وجاؤوا أباهُمْ عِشَاءً يَبْكونَ ]يوسف (16)] ، وعلى هذا فإن بكاء أحد المتخاصمين في القضاء ليس دليلاً يُعتدُّ به .
بكاء الإثم !!
البكاء على موت كافر أو طاغية أو فاسد ، وبكاء العاشقين ، وأهل الغرام بالأغاني .
فما في الأرض أشقى مـن محب *** وإن وجد الهـوى حلو المذاق
تـراه باكيـا فـي كــل حـين *** مخافـة فرقـة أو لاشـتياق
فتسخـن عينـه عنـد التلاقـي *** وتسـخن عينـه عند الفراق
ويبكـي إن نـأوا شوقـا إليهـم *** ويبكي إن دنوا خوف الفـراق
فضل البكاء من خشية الله
قال تعالى وَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ
فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا
عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ
الْبَرُّ الرَّحِيمُ ]الطور (25 – 28)]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع)) . ]رواه الترمذي ( 1633 )]
وقالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ((سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ : إِمامٌ
عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ
مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه ، اجتَمَعا
عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ
مَنْصِبٍ وَجَمالٍ ، فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ
بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ ،
ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )).]رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 )]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله)). ]رواه الترمذي ( 1639 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " ( 1338 )]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((ليس
شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة من دموع خشية الله ، وقطرة دم
تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة
من فرائض الله)) ]رواه الترمذي ( 1669 ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " ( 1363 )]
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ! " .
وقال كعب الأحبار "لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً" .
فاللهم اجعلنا من البكائين من خشيتك